فصل: بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَمَا لَا يَجُوزُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَمَا لَا يَجُوزُ:

(الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَحْدَاثِ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَالْأَوْدِيَةِ، وَالْعُيُونِ، وَالْآبَارِ، وَالْبِحَارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى هَذِهِ الْمِيَاهِ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ الشَّجَرِ وَالثَّمَرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ فَقْدِهِ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ، وَالْوَظِيفَةُ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ تَعَبُّدِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ فَيَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ، ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ شَرَطَ الِاعْتِصَارَ.
الشرح:
بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَجُوزُ بِهِ الطَّهَارَةُ:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ:
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ».
قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ، وَطَعْمِهِ، وَلَوْنِهِ» انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ هُنَا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ فَقَطْ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِهِ قَرِيبًا عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْقَلِيلِ حُجَّةً لِمَالِكٍ، مُشِيرًا إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ رِشْدِينَ بْنَ سَعْدٍ جَرَحَهُ النَّسَائِيّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ اللَّوْنَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْفَعْهُ غَيْرُ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. انتهى.
وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ رُفِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ، غَيْرِ طَرِيقِ رِشْدِينَ أَخْرَجَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ: أَحَدُهُمَا: عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهَا» انْتَهَى.
الثَّانِي: عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ ثَنَا عُمَرُ ثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ إلَّا مَا غُيِّرَ طَعْمُهُ،أَوْ رِيحُهُ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْحَدِيثُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَالْأَحْوَصُ فِيهِ مَقَالٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ لِمَالِكٍ: أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ، وَكِلَاهُمَا مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِنَجَاسَةٍ يَنْجُسُ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ، أَوْ طَعْمِهِ» انْتَهَى.
وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» انْتَهَى.
حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَخْرَجَاهُ عَنْهُ، قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: «إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ، وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ»، فَذَكَرَهُ.
وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَاهُ أَيْضًا عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ مَزَادَتَيْ الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ، وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ أَنْ اسْقُوا وَاسْتَقُوا، فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرُ ذَلِكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ، قَالَ: اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَمِنْ غَرِيبِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ الْأَكْلِ فِيهَا، مَعَ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَزَادَةِ الْمُشْرِكَةِ.
فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ.
وَالثَّانِي: عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْمَاءِ مَا لَمْ تُغَيِّرْهُ. انتهى.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمِنْ حَدِيثِ الْفِرَاسِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ.
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْعَبْدَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ.
وَمُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبَحْرُ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» انْتَهَى.
وَهُوَ لَفْظٌ غَرِيبٌ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَلُّ بِأَرْبَعِ عِلَلٍ: أَحَدُهَا: جَهَالَةُ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَقَالُوا: لَمْ يَرْوِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَلَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، إلَّا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: وَجَوَابُهُ: أَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ قَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ صَفْوَانَ، وَهُوَ الْجُلَاحُ أَبُو كَثِيرٍ، وَرَوَاهُ عَنْ الْجُلَاحِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَمَّا رِوَايَةُ عَمْرٍو فَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ، فَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكَبِيرِ.
وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، إلَّا أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَرِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ رَوَاهَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ، وَمِنْ جِهَتِهِ أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ رَوَى عَنْهُ ثَلَاثَةٌ: يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَالْجُلَاحُ، وَبَطَلَتْ دَعْوَى مَنْ ادَّعَى انْفِرَادَ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ، وَانْفِرَادَ صَفْوَانَ عَنْ سَعِيدٍ.
الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: هَذَا، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَصَحُّهُمَا سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ، لِأَنَّهَا رِوَايَةُ مَالِكٍ مَعَ جَلَالَتِهِ، وَهَذَا مَعَ وِفَاقِ مَنْ وَافَقَهُ، وَالِاسْمَانِ الْآخَرَانِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
الْعِلَّةُ الثَّالِثَةُ: الْإِرْسَالُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو الْحُمَيْدِيُّ، وَالْمَخْزُومِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ: «أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْحَدِيثَ، قَالَ: وَهَذَا مُرْسَلٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَحْفَظُ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَأَثْبَتُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيمِ إرْسَالِ الْأَحْفَظِ عَلَى إسْنَادِ مَنْ دُونَهُ، وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأُصُولِ.
وَالْعِلَّةُ الرَّابِعَةُ: الِاضْطِرَابُ، فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقِيلَ عَنْهُ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ هُشَيْمِ عَنْ يَحْيَى، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هُشَيْمِ، فَقَالَ: فِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بَرْزَةَ.
فَقَالَ: وَهَمَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ.
وَهُشَيْمٌ رُبَّمَا وَهَمَ فِي الْإِسْنَادِ، وَهُوَ فِي الْمُقْطَعَاتِ أَحْفَظُ، قَالَ الشَّيْخُ: وَهَذَا الْوَهْمُ إنَّمَا يَلْزَمُ هُشَيْمًا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِيهِ، فَأَمَّا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمِ عَلَى الصَّوَابِ، فَالْوَهْمُ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ هُشَيْمِ، عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ فِيهِ: عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَبْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ.
وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَقِيلَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: هَذَا حَدِيثٌ أَوْدَعَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ كِتَابَ الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد،وَأَصْحَابُ السُّنَنِ،وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِهِ، وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيّ ُوَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ مَنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَدْ أَقَامَ إسْنَادَهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ الْجُلَاحِ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، ثُمَّ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ صَحِيحًا،وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.
وَقَالَ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ: قَدْ تَابَعَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ سَعِيدًا عَلَى رِوَايَتِهِ،إلَّا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ.
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ.
وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، فَقِيلَ: كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَقِيلَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَخْزُومِيُّ، وَقِيلَ: سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ الْمُغِيرَةُ. أَوْ هُمَا، إلَّا أَنَّ الَّذِي أَقَامَ إسْنَادَهُ ثِقَةٌ، وَهُوَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ. انتهى.
وَلَمَّا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا الْحَدِيثَ ذَكَرَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُتَابَعَاتِ.
ثُمَّ قَالَ: اسْمُ الْجَهَالَةِ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا بِهَذِهِ الْمُتَابَعَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: اتِّفَاقُ صَفْوَانَ وَالْجُلَاحِ يُوجِبُ شُهْرَةَ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ.
وَاتِّفَاقُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ يُوجِبُ شُهْرَتَهُ، فَصَارَ الْإِسْنَادُ مَشْهُورًا، وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ جَهَالَةُ عَيْنِهِمَا. انتهى.
وَفِي كِتَابِ الْمِزِّيِّ تَوْثِيقُهُمَا.
فَزَالَتْ جَهَالَةُ الْحَالِ أَيْضًا، وَلِهَذَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَحَكَى عَنْ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»،انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَسَكَتَ عَنْهُ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ.
وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِ ابْنِ مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، سَوَاءً، وَسَكَتَ الْحَاكِمُ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَأَبَانُ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ الْحَدِيثَ، وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ.
ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مَوْقُوفًا، قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ السَّرِيِّ بْنِ عَاصِمٍ الْهَمَذَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِهِ مَرْفُوعًا، وَأَعَلَّهُ بِالسَّرِيِّ، وَقَالَ: إنَّهُ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيَرْفَعُ الْمَوْقُوفَ، لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَأَسْنَدَهُ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ، فَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْقَاسِمِ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيّ ثَنَا أَبُو الزِّنْبَاعِ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ الْفِرَاسِيَّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ عَلَى أَرْمَاثٍ، وَكُنْت أَحْمِلُ قِرْبَةً لِي فِيهَا مَاءٌ، فَإِذَا لَمْ أَتَوَضَّأْ مِنْ الْقِرْبَةِ رَفَقَ ذَلِكَ بِي وَبَقِيَتْ لِي، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَصْت ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ: حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ -فِيمَا أَعْلَمُ- إلَّا مُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ، وَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ إلَّا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ. انتهى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَقَدْ خَفِيَ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ مَا فِيهِ مِنْ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ ابْنَ مَخْشِيٍّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْفِرَاسِيِّ، وَإِنَّمَا يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ عَنْ أَبِيهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ فِي مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لَمْ يُدْرِكْ ابْنُ الْفِرَاسِيِّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْفِرَاسِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: فَهَذَا كَمَا تَرَاهُ يُعْطِي أَنَّ الْحَدِيثَ يُرْوَى عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْفِرَاسِيُّ، فَمُسْلِمُ بْنُ مَخْشِيٍّ إنَّمَا يَرْوِي عَنْ الِابْنِ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْأَبِ مُرْسَلَةٌ. انتهى.
قُلْت: حَدِيثُ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِه حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سُهَيْلٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مَخْشِيٍّ عَنْ ابْنِ الْفِرَاسِيِّ، قَالَ: كُنْت أَصِيدُ، وَكَانَتْ لِي قِرْبَةٌ أَجْعَلُ فِيهَا مَاءً وَإِنِّي تَوَضَّأْت بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا) يَجُوزُ (بِمَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ طَبْعِ الْمَاءِ كَالْأَشْرِبَةِ وَالْخَلِّ وَمَاءِ الْبَاقِلَّى وَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّرْدَجِ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً مُطْلَقًا، وَالْمُرَادُ بِمَاءِ الْبَاقِلَّى وَغَيْرِهِ: مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِدُونِ الطَّبْخِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ.
(المتن:)
قَالَ: (وَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَمَاءِ الْمَدِّ، وَالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِهِ اللَّبَنُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الصَّابُونُ أَوْ الْأُشْنَانُ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: أَجْرَى فِي الْمُخْتَصَرِ مَاءَ الزَّرْدَجِ مَجْرَى الْمَرَقِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَاءِ الزَّعْفَرَانِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا اخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ، أَوْ أَشْبَاهِهِ مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ: مَاءُ الزَّعْفَرَانِ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَخْلُو عَنْهَا عَادَةً، وَلَنَا أَنَّ اسْمَ الْمَاءِ بَاقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ اسْمٌ عَلَى حِدَةٍ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّعْفَرَانِ كَإِضَافَتِهِ إلَى الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخَلْطَ الْقَلِيلَ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَالْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ، هُوَ الصَّحِيحُ.
الشرح:
مَا وَرَدَ فِي طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدَيْهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «بِبَلَلٍ فِي يَدَيْهِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَابْنُ عَقِيلٍ هَذَا لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَخْتَلِفُونَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، قَالَ فِي الْإِمَامِ: وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ مُسْتَعْمَلًا، لَكِنْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ فِي كِتَابِهِ وَلَفْظُهُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسَحَ بِمَاءٍ بَقِيَ مِنْ ذِرَاعَيْهِ».
قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ فِي الْمَقْصُودِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: وَقَدْ رُوِيَ يَعْنِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، ذَكَرْنَاهَا فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالْعَرْزَمِيُّ مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِهَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُلَيْمَانَ: مَتْرُوكٌ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ جِهَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَرْوِي عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ، لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ جِهَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ النَّسَائِيُّ، وَالرَّازِيِّ: مَتْرُوكٌ، وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ جِهَةِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَتَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ جِهَةِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ بْنَ فُضَيْلٍ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الرَّحَبِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ جَنَابَةٍ، فَرَأَى لُمْعَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَقَالَ: بِجُمَّتِهِ، فَبَلَّهَا عَلَيْهِ»، قَالَ إِسْحَاقُ فِي حَدِيثِهِ: «فَعَصَرَ شَعْرَهُ عَلَيْهَا» انْتَهَى.
وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّحَبِيُّ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ، يُلَقَّبُ بِحَنَشٍ قَالَ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: مَتْرُوكٌ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ.
مَا وَرَدَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «مَرِضْت مَرَضًا فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي، وَأَبُو بَكْرٍ، وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَوَجَدَانِي قَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَيَّ فَأَفَقْت، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِي مَالِي، كَيْفَ أَقْضِي فِي مَالِي؟ فَلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ، حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ» انْتَهَى.
فِي الْخُلَاصَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ» انْتَهَى.
وقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ يُضَعَّفَانِ فِي الْحَدِيثِ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ» انْتَهَى.
وَقَالَ: حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَائِمِ، وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، وَأَبُو مُعَاذٍ يَقُولُونَ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّأَ، فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ» انْتَهَى.
وَالْوَضِينُ بْنُ عَطَاءٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ مُعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ.
مَا وَرَدَ فِي عَدَمِ طَهَارَتِهِ:
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ، فَقَالَ: كَيْفَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْت أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَأَبُوهُ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِمَا الْبُخَارِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ:
وَرَدَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ، فَلَهُ خَمْسُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ خَالِدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَسْخَنْتُ مَاءً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّمْسِ لِيَغْتَسِلَ بِهِ، فَقَالَ لِي: يَا حُمَيْرَاءُ لَا تَفْعَلِي، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» انْتَهَى. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ الثَّانِيَةُ: عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: هُوَ شَرٌّ مِنْ خَالِدٍ.
الثَّالِثَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، قَالَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ: الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ مَتْرُوكٌ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يَكْذِبُ الرَّابِعَةُ: عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْسَمِ عَنْ فُلَيْحِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ أَوْ يُغْتَسَلَ بِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْسَمِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ فُلَيْحِ غَيْرُهُ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَغْلَظَ ابْنُ حِبَّانَ فِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْسَمِ الْقَوْلَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ.
الطَّرِيقُ الْخَامِسُ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرٍو الْكُوفِيِّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ، وَلَفْظُهُ: قَالَتْ: «سَخَّنْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً فِي الشَّمْسِ يَغْتَسِلُ بِهِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هَذَا بَاطِلٌ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ دُونَ ابْنِ وَهْبٍ ضُعَفَاءُ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ هِشَامٍ. انتهى.
وَإِلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مُنْكَرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ، وَلَا يَصِحُّ. انتهى.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيَّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامٍ إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، وَلَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. انْتَهَى.
ووَهَمَ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ الْكُوفِيِّ ثَنَا سَوَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي يُسَخَّنُ فِي الشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ» انْتَهَى.
قَالَ الْعُقَيْلِيُّ وَسَوَادَةُ عَنْ أَنَسٍ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ. انتهى.
وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَنَقَلَ كَلَامَهُ بِحُرُوفِهِ.
وَأَمَّا مَوْقُوفُ عُمَرَ، فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَسْلَمِيُّ، أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ. انتهى.
وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
طَرِيقٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ. انتهى.
وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حِمْصِيٌّ، وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّامِيِّينَ صَحِيحَةٌ، وَقَدْ تَابَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَرَوَاهُ عَنْ صَفْوَانَ بِهِ.
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ، فِي تَرْجَمَةِ حَسَّانَ بْنِ أَزْهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَنَدُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الْأَسْلَمِيُّ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ قَدَرِيًّا لَكِنَّهُ كَانَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ، فَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْهُ. انتهى.
وَصَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ السَّمِينُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، فِي بَابِ زَكَاةِ الْعَسَلِ: ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِينٍ، وَغَيْرُهُمَا، انْتَهَى.
مَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْمُسَخَّنِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى الْمُنْقِرِيُّ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ رَزِينٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَسْلَعِ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ: «كُنْت أَرْحَلُ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاحِلَةَ، فَكَرِهْت أَنْ أَرْحَلَ نَاقَتَهُ وَأَنَا جُنُبٌ، وَخَشِيت أَنْ أَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فَأَمُوتَ أَوْ أَمْرَضَ، فَأَمَرْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَرَحَلَهَا، وَوَضَعْت أَحْجَارًا فَأَسْخَنْت بِهَا مَاءً فَاغْتَسَلْت.ثُمَّ لَحِقْت بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا أَسَلَعُ مَالِي أَرَى رَاحِلَتَك تَضْطَرِبُ؟ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرْحَلْهَا، وَلَكِنْ رَحَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْت: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فَخَشِيت الْقُرَّ عَلَى نَفْسِي، فَأَمَرْتُهُ أَنْ يَرْحَلَهَا، وَوَضَعْت أَحْجَارًا، فَأَسْخَنْت مَاءً فَاغْتَسَلْت بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} إلَى قَوْلِهِ: {عَفُوًّا غَفُورًا}» انْتَهَى.
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ: تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسْخِنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمَةٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، انْتَهَى. وَفِيهِ رَجُلَانِ تَكَلَّمَ فِيهِمَا:
أَحَدُهُمَا: عَلِيُّ بْنُ غُرَابٍ.
فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَابْنُ مَعِينٍ، وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد. وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: تَكَلَّمُوا فِيهِ لِمَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ.
وَالْآخَرُ: هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، فَهُوَ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ.
وَعَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ ذَكَرَهُ، فَلَمْ يَرْضَهُ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُحْكِمٍ لِلْحَدِيثِ.
(المتن:)
(فَإِنْ تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ بَعْدَمَا خُلِطَ بِهِ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَعْنَى الْمُنَزَّلِ مِنْ السَّمَاءِ، إذْ النَّارُ غَيَّرَتْهُ، إلَّا إذَا طُبِخَ فِيهِ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي النَّظَافَةِ كَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ ذَلِكَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرَ السَّوِيقَ الْمَخْلُوطَ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ.
الشرح:
قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُغَسَّلُ بِالْمَاءِ الَّذِي أُغْلِيَ فِيهِ السِّدْرُ، بِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ قُلْت: غَرِيبٌ.
وَلَمْ يُحْسِنْ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، إذَا اسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِحَدِيثِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ، وَفِيهِ: فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ»، وَاَلَّذِي قَلَّدَهُ الشَّيْخُ اعْتَذَرَ، فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ: وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَاءَ أُغْلِيَ بِالسِّدْرِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِهِ؟ قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْصَافُهُ، لِمَا رَوَيْنَا.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
وَمِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ، حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُمَا: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
(المتن:)
(وَكُلُّ مَاءٍ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، قَلِيلًا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَوْ كَثِيرًا).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِمَا رَوَيْنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا».
قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ،قَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ»، انْتَهَى. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهُ.
وَأَعَادَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ.
وَلَفْظُهُ: «لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَأَظُنُّهُ لِاخْتِلَافٍ فِيهِ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ. انتهى.
وَقَدْ أَجَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ جَمْعَ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَرِوَايَاتِهِ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً تَلَخَّصَ مِنْهَا تَضْعِيفُهُ لَهُ، فَلِذَلِكَ أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْإِلْمَامِ مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ.
وَأَنَا أَذْكُرُ مَا قَالَهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا، وَأُبَيِّنُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَأَمَّا اضْطِرَابُهُ فِي اللَّفْظِ، فَمِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ.
أَمَّا إسْنَادُهُ:
فَمِنْ ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ: أَحَدُهَا: رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، رَوَاهَا أَبُو دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ زُبَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ».
وَرَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَكِيعِيُّ. وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَادَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحَاجِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ. وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ. وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ.
قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيّ الْحَافِظُ: وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الْأَزْرَقِ وَيَعِيشَ بْنِ الْجَهْمِ، وَغَيْرِهِمْ وَتَابَعَهُمْ الشَّافِعِيُّ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
ذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رَوَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، فَدَلَّ رِوَايَتُهُ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن الْحَارِثِ، وَهُوَ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ، وَمِنْ أَبِي أُسَامَةَ وَهُوَ كُوفِيٌّ جَمِيعًا عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى التَّرْجِيحِ فَيُقَالُ: عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: هُوَ الصَّوَابُ وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ، وَالْحَدِيثُ لِمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَشْبَهُ، وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ، فَرَوَى عَنْهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ.
وَقَالَ: مَرَّةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ، فَذَكَرَهُ.
وَأَمَّا الدَّارَقُطْنِيُّ فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ: وَلَمَّا اُخْتُلِفَ عَلَى أَبِي أُسَامَةَ فِي إسْنَادِهِ أَحْبَبْنَا أَنْ نَعْلَمَ مَنْ أَتَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ.
فَوَجَدْنَا شُعَيْبَ بْنَ أَيُّوبَ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَصَحَّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، وَصَحَّ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا، فَكَانَ أَبُو أُسَامَةَ يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ الصَّيْدَلَانِيِّ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.
وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبَيْهَقِيُّ، فَأَخْرَجَ رِوَايَةً عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَلَى خِلَافِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى مِنْ جِهَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ، فِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَلَى خِلَافِ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحَارِثِيِّ.
وَفِيهَا ذِكْرُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَقَصَدَا بِذَلِكَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ أَصْلِ كِتَابِهِ وَأَنَا سَأَلْته حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُبَشِّرٍ الْوَاسِطِيُّ ثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ بِمِثْلِهِ.
وَهَاهُنَا اخْتِلَافٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الصَّوَابَ فِي الرِّوَايَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا عَبْدُ اللَّهِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوَابٌ، فَكَأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ يَقُولُ: غَلِطَ أَبُو أُسَامَةَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، إنَّمَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ، إلَّا أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ أَرْسَلَهُ، وَرَأَيْت فِي كِتَابِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الْكِسَائِيّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولًا وَرَوَاهُ عَبَّادُ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ الْوَلِيدِ.
وَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ مَوْصُولًا، وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ أَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ مَوْصُولَةً، وَذَكَرَ أَنَّ رِوَايَةَ عِيسَى بْنِ يُونُسَ أَشْبَهُ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ.
وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَافَقَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فِي ذِكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَتُهُمَا وَافَقَتْ رِوَايَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي ذِكْرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
فَثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ عَلَى حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَبِاتِّفَاقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ رِوَايَتِهِمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
فَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَقْبُولَانِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَعَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ ثِقَةٌ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ جِهَةِ الرُّوَاةِ، وَأَعْرَضَ عَنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، وَكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا وَالِاضْطِرَابِ، وَلَعَلَّ مُسْلِمًا تَرَكَهُ لِذَلِكَ.
وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَعْنِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِلَاهُمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ.
هَذَا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِيمَا حَكَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقُلْت: إنَّهُ يَقُولُ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ابْنُ إِسْحَاقَ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُقْضَى لَهُ، قُلْت لَهُ: مَا حَالُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ؟ فَقَالَ: صَدُوقٌ.
الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَنَّادٍ.
وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ.
وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَائِشَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ، وَتَرِدُهُ السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ، فَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: كَذَا قَالَ: «السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ»، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ «الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ» إلَّا أَنَّ ابْنَ عَيَّاشٍ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي إسْنَادِهِ. انتهى.
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ السُّلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيبِ يُلْقَى فِيهِ الْجِيَفُ، وَيَشْرَبُ مِنْهُ الْكِلَابُ وَالدَّوَابُّ، قَالَ: مَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ اللَّبَقِيِّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَرَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، وَاخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهَا وَمَتْنِهَا، أَمَّا الْإِسْنَادُ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُوسَى بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسُ»، وَخَالَفَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا، وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ رَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَزِيدَ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّبَّاحُ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: دَخَلْت مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بُسْتَانًا فِيهِ مِقْرَاةُ مَاءٍ فِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ، فَتَوَضَّأَ فِيهِ، فَقُلْت لَهُ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَفِيهِ جِلْدُ بَعِيرٍ مَيِّتٍ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ»،أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَرَوَاهُ أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيّ عَنْ يَزِيدَ، فَلَمْ يَقُلْ: أَوْ ثَلَاثًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَهُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، وَكَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالُوا فِيهِ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا»، وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَهُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَمَّادٍ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَالَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ».
قَالَ الْحَاكِمُ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ حَمَّادٍ لَمْ يَقُولُوا فِيهِ: أَوْ ثَلَاثًا. انْتَهَى.
قُلْت: وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ، وَقَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ»، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ، بَعْدَ تَخْرِيجِ مَا ذُكِرَ مِنْ الرِّوَايَاتِ: وَرَوَاهُ عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَكِّيُّ، وَمُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَيْشِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالُوا فِيهِ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ»،وَلَمْ يَقُولُوا: أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ.
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ طَرِيقَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ»، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ -ابْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ- وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ.
وَالثَّانِي: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيِّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَلَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْفَارِسِيِّ عَنْهُ، وَقَالَ: رَفَعَهُ هَذَا الشَّيْخُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ زَائِدَةَ، وَرَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَائِدَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ خَرَّجَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ الْعُمَرِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَوَهَمَ فِي إسْنَادِهِ، وَكَانَ ضَعِيفًا كَثِيرَ الْخَطَأِ، وَخَالَفَهُ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ رَوَوْهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا.
وَرَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ قَوْلِهِ: لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ، ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ» ثُمَّ أَخْرَجَ رِوَايَةَ سُفْيَانَ مِنْ جِهَةِ وَكِيعٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ.
وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُ وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا».
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إذَا كَانَ الْمَاءُ قَدْرَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ، وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، رَوَوْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالُوا: أَرْبَعِينَ غَرْبًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إنَّ الْقُلَّةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى الْجَرَّةِ، وَعَلَى الْقِرْبَةِ، وَعَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا حَدِيثًا، فَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا».
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «بِقِلَالِ هَجَرَ»، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَدْ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْعَلَ الْقُلَّةَ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ كِبَارٍ، كَقِرَبِ الْحِجَازِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَاءِ رِيحٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ. انتهى.
وَهَذَا فِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَنَدَهُ مُنْقَطِعٌ، وَمَنْ لَا يَحْضُرُهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَقُومُ بِهَذَا الْحُجَّةُ عِنْدَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: «بِقِلَالِ هَجَرَ» يُوهِمُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، فَذَكَرَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: قُلْت لِيَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ: أَيُّ قِلَالٍ؟ قَالَ: قِلَالُ هَجَرَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ، فَأَظُنُّ كُلَّ قُلَّةٍ تَسَعُ قِرَبًا، قَالَ: وَإِسْنَادُ الْأَوَّلِ أَحْفَظُ، فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ لَيْسَ فِيهِمَا رَفْعُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ مُرْسَلًا، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ عُقَيْلٍ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، ثُمَّ الطَّرِيقُ الَّتِي ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ إسْنَادَهَا أَحْفَظُ يَقُولُ فِيهَا: فَأَظُنُّ أَنَّ كُلَّ قُلَّةٍ تَحْمِلُ قِرْبَتَيْنِ، وَالْقِرْبَةُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، فَيَكُونُ مَجْمُوعُ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ رِطْلًا.
وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى كُلَّ قُلَّةٍ قِرْبَتَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُ قِرَبٍ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سِقْلَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَالْقُلَّةُ: أَرْبَعُ آصُع».
قَالَ: وَالْمُغِيرَةُ تَرَكَ طَرِيقَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ: عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ هَذَا أَسْهَلَ عَلَيْهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ يَرْوِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ وَيُذْكَرُ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ».
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَوْلُهُ فِي مَتْنِهِ: «مِنْ قِلَالِ هَجَرَ» غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لَا يُذْكَرُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ هَذَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: وَمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ يُكَنَّى أَبَا بِشْرٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ نُفَيْلٍ، قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ سِقْلَابٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَ فِيهِ قِلَالَ هَجَرَ، وَذَكَرَ أَنَّهُمَا فَرْقَانِ، وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَنْ حَزَرَهُمَا بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: الْقِلَالُ: الْجَوَابِي الْعِظَامُ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ سَمِعْت هِشَامًا، يَقُولُ: الْقُلَّتَانِ هُمَا: الْجَرَّتَانِ الْكَبِيرَتَانِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُهُ: الْقُلَّةُ مَا تُقِلُّهُ الْيَدُ أَيْ تَرْفَعُهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ عَنْ الْقُلَّتَيْنِ، فَقَالَ: هِيَ الْجِرَارُ الَّتِي يُسْتَقَى فِيهَا الْمَاءُ، وَالدَّوَارِيقُ. وَأَخْرَجَ عَنْ وَكِيعٍ، قَالَ: هِيَ الْجَرَّةُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ: وَقِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَلِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ، فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: «رُفِعْت إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ» قَالَ: وَاعْتِذَارُ الطَّحَاوِيِّ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ أَصْلًا، بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ، لَا يَكُونُ عُذْرًا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ.
وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْقَوْلِ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ فِيمَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ، وَتَوْقِيتُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ لِمَنْعِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي عَلَى أَصْلِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
الْحَدِيثُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ، تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ، رَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْغَمْسِ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ، فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عِنْدَ التَّحَقُّقِ.
(المتن:)
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا فِي الْبَسَاتِينِ، وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ».
قُلْت: رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُد.
وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، بِلَفْظِ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ»، وَفِي لَفْظٍ: «ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»، وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ «ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ: كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا»، وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» انْتَهَى.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَأَنْ يُغْتَسَلَ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» انْتَهَى.
وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ فِي عَزْوِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِمُسْلِمٍ عَنْ طَلْحَةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ بَعْضُهُ عَنْ جَابِرٍ.
وَلَمْ يُخَرِّجْ مُسْلِمٌ لِطَلْحَةَ فِي كِتَابِهِ إلَّا خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، لَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
فَأَوَّلُهَا حَدِيثُ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ» أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَشَارَكَهُ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، ثُمَّ حَدِيثُ: «الصَّلَاةُ إلَى مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» أَخْرَجَهُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ حَدِيثُ «أُهْدِيَ لَنَا طَيْرٌ وَنَحْنُ حُرُمٌ» أَخْرَجَهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ حَدِيثُ «لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْد»، وَحَدِيثُ «مَرَرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ» أَخْرَجَهُمَا فِي الْفَضَائِلِ فَالْمُقَلِّدُ ذَهِلَ، وَالْمُقَلَّدُ جَهِلَ؟ قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ، وَرَدَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَمَاؤُهَا كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ.
قُلْت: يُرِيدُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ حَدِيثَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَوُرُودُهُ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ، وَلُحُومُ الْكِلَابِ، وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. انتهى.
وَضَعَّفَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ: إنَّ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا، فَقَوْمٌ يَقُولُونَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ: فَيَحْصُلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ، وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ، وَلَا عَيْنٌ، وَلَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سُكَيْنَةَ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَفِيهَا مَا يُنَجِّي النَّاسُ، وَالْمَحَايِضُ، وَالْخَبَثُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
قَالَ قَاسِمٌ: هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي بَابِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُنَجَّسُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ وَأَطَالَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: «دَخَلْتُ عَلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي نِسْوَةٍ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي أَسْقِيكُمْ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ لَكَرِهْتُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ وَاَللَّهِ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِيِّ مِنْهَا»، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ مَوْصُولٌ. انتهى.
وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: إنَّ مَاءَهَا كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ هَذَا، رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إلَى الْبَسَاتِينِ. انتهى.
وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ، وَمَدْلُولُهُ عَلَى جَرَيَانِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ مَاؤُهَا جَارِيًا لَا يَسْتَقِرُّ، وَأَنَّهَا كَانَتْ طَرِيقًا إلَى الْبَسَاتِينِ. وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْوَاقِدِيِّ، وَالْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُهُ، فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ، وَحَالُ بِئْرِ بُضَاعَةَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ، بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ. انتهى.
وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ: وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد، هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ أَبَا دَاوُد رَوَى حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ وَسَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ عَلَى عَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِكَلَامٍ دَلَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ لَهُ، وَتَضْعِيفِهِ لِمَذْهَبِ مُخَالِفِهِ، فَقَالَ: قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْت: قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا؟ فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إلَى الْعَانَةِ، فَإِذَا نَقَصَ كَانَ إلَى الْعَوْرَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَمَدَدْت رِدَائِي عَلَيْهَا، ثُمَّ ذَرَعْته، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْت الَّذِي فَتَحَ بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا، وَرَأَيْت فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ. انتهى.
وَجَهِلَ مَنْ عَزَا حَدِيثَ بِئْرِ بُضَاعَةَ لِابْنِ مَاجَهْ.
(وَالْمَاءُ الْجَارِي إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ، إذَا لَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ، لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ) وَالْأَثَرُ: هُوَ الرَّائِحَةُ أَوْ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، وَالْجَارِي: مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ: مَا يَذْهَبُ بِتِبْنِهِ.
قَالَ: (وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ) إذْ أَثَرُ التَّحْرِيكِ فِي السِّرَايَةِ فَوْقَ أَثَرِ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ التَّحْرِيكُ بِالِاغْتِسَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَنْهُ التَّحْرِيكُ بِالْيَدِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّوَضُّؤِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الِاغْتِسَالِ فِي الْحِيَاضِ أَشَدُّ مِنْهَا إلَى التَّوَضُّؤِ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرُوا بِالْمِسَاحَةِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ تَوْسِعَةً لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْعُمْقِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ، هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ: جَازَ الْوُضُوءُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَالْمَاءِ الْجَارِي.
(المتن:)
قَالَ: (وَمَوْتُ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزَّنَابِيرِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهَا).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُفْسِدُهُ، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ دُودِ الْخَلِّ وَسُوسِ الثِّمَارِ، لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً.
وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ: «هَذَا هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ»، وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، حَتَّى حَلَّ الْمُذَكَّى لِانْعِدَامِ الدَّمِ فِيهِ، وَلَا دَمَ فِيهَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَتِهَا النَّجَاسَةُ كَالطِّينِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الْحَلَالُ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ».
قُلْت: يَعْنِي فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَمَاتَ فِيهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّةَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ: «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَوُضُوءُهُ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ بَقِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. انتهى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِسَعِيدٍ هَذَا وَقَالَ: هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ، وَحَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. انتهى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَأْمُرُ بِغَمْسِ مَا يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدُ إفْسَادِهِ. انْتَهَى.
وَزَادَ فِيهِ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: «وَأَنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْقَارِظِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي إحْدَى جَنَاحَيْ الذُّبَابِ سُمٌّ وَالْآخَرِ شِفَاءٌ، فَإِذَا وَقَعَ فِي الطَّعَامِ فَامْقُلُوهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاء»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَعِيدٌ هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَدَنِيٌّ يُحْتَجُّ بِهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
قَالَ: (وَمَوْتُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُفْسِدُهُ إلَّا السَّمَكَ لِمَا مَرَّ، وَلَنَا أَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْدِنِهِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ كَبَيْضَةٍ حَالَ مُحُّهَا دَمًا، وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِيهَا، إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ، وَالدَّمُ هُوَ الْمُنَجِّسُ، وَفِي غَيْرِ الْمَاءِ قِيلَ: غَيْرُ السَّمَكِ يُفْسِدُهُ لِانْعِدَامِ الْمَعْدِنِ، وَقِيلَ: لَا يُفْسِدُهُ لِعَدَمِ الدَّمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالضِّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ وَعَدَمِ الْمَعْدِنِ، وَمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ: مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ دُونَ مَائِيِّ الْمَوْلِدِ مُفْسِدٌ.
قَالَ: (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الطَّهُورَ مَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالْقَطُوعِ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ الْمُسْتَعْمِلُ مُتَوَضِّئًا فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، لِأَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ حَقِيقَةً، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ طَاهِرًا، لَكِنَّهُ نَجِسٌ حُكْمًا، وَبِاعْتِبَارِهِ يَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا، فَقُلْنَا بِانْتِفَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، لِأَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا تُوجِبُ التَّنَجُّسَ، إلَّا أَنَّهُ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ بِهِ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: هُوَ نَجِسٌ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحُكْمِيَّةُ فَيُعْتَبَرُ بِمَاءٍ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، ثُمَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً اعْتِبَارًا بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ.
قَالَ: (وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ، لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ، وَإِنَّهَا تُزَالُ بِالْقُرَبِ، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا فَيَثْبُتُ الْفَسَادُ بِالْأَمْرَيْنِ، وَمَتَى يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا؟ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ.
وَالْجُنُبُ إذَا انْغَمَسَ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الرَّجُلُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ، وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِلَاهُمَا طَاهِرَانِ: الرَّجُلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ، وَالْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِلَاهُمَا نَجِسَانِ: الْمَاءُ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالرَّجُلُ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَقِيلَ: عِنْدَهُ نَجَاسَةُ الرَّجُلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
الشرح:
حَدِيثُ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» تَقَدَّمَ قَرِيبًا.
قَالَ: (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ، وَجَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ، إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُر» وَهُوَ بِعُمُومِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ.
وَلَا يُعَارَضُ بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ»، لِأَنَّهُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْمَدْبُوغِ، وَحُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جِلْدِ الْكَلْبِ، وَلَيْسَ الْكَلْبُ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا، بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ، لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى: «فَإِنَّهُ رِجْسٌ» مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ، وَحُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِأَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ، فَخَرَجَا عَمَّا رَوَيْنَا.
ثُمَّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ، وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ.
ثُمَّ مَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدِّبَاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ، وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهُ، هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَسَّرَهُ النَّضْرُ بْن شُمَيْلٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُقَالُ: إهَابٌ لِجِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. انتهى.
وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ سَوَاءً.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكَمٍ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَوَيْنَاهُ كَذَلِكَ، لِئَلَّا يَقُولَ جَاهِلٌ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَزَوْا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كُتُبِهِمْ إلَى مُسْلِمٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَإِنَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ فَقَالَ: وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَعَ لَهُ مِثْلٌ فِي كِتَابِهِ كَثِيرًا، وَيُرِيدُ بِهِ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَا كُلَّ لَفْظَةٍ مِنْهُ، قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدَنَا مَعِيبٌ جِدًّا إذَا قَصَدَ الِاحْتِجَاجَ بِلَفْظَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لِأَنَّ فِيهِ إبْهَامَ أَنّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، مَعَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ أَعْذَرُ فِي هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُحَدِّثِينَ الْإِسْنَادُ وَمَعْرِفَةُ الْمُخَرِّجِ، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ أَلَّفُوا كُتُبَ الْأَطْرَافِ، فَأَمَّا الْفَقِيهُ الَّذِي يَخْتَلِفُ نَظَرُهُ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْتَجَّ بِأَحَدِ الْمُخَرِّجِينَ، إلَّا إذَا كَانَتْ اللَّفْظَةُ فِيهِ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْبَابِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلَاةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ؟ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ: إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الذَّبَائِحِ وَمُسْلِمٌ فِي الطَّهَارَةِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَزَادَا: «وَلَيْسَ فِي الْمَاءِ وَالْقَرْظِ مَا يُطَهِّرُهَا»، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «إنَّمَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُهَا، وَرُخِّصَ لَكُمْ فِي مَسْكِهَا»، وَفِي لَفْظٍ: قَالَ: «إنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ»، وَأَخْرَجَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ كُلُّهَا صِحَاحٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْ حَدِيثِ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا، ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْخَيْرِ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَلَى ابْنِ وَعْلَةَ فَرْوًا فَمَسِسْتُهُ، فَقَالَ: مَا لَك تَمَسُّهُ؟ قَدْ سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْت: إنَّا نَكُونُ بِالْمَغْرِبِ وَمَعَنَا الْبَرْبَرُ وَالْمَجُوسُ نُؤْتَى بِالْكَبْشِ قَدْ ذَبَحُوهُ، وَنَحْنُ لَا نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَأْتُونَا بِالسِّقَاءِ يَجْعَلُونَ فِيهِ الْمَاءَ وَالْوَدَكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ سَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: دِبَاغُهُ طَهُورُهُ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ سِقَاءٍ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ مَيْتَةٌ، فَقَالَ: دِبَاغُهُ يُزِيلُ خَبَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ أَوْ رِجْسَهُ» انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: هُوَ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَ» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» انْتَهَى.
قَالَ: فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِأَنَّ أُمَّ مُحَمَّدٍ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَمَّدٍ عَنْهَا غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَمَنْ هِيَ أُمُّهُ؟ كَأَنَّهُ أَنْكَرَهُ مِنْ أَجْلِ أُمِّهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتهَا؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُهَا» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ: فِي الْإِمَامِ: وَأَعَلَّهُ الْأَثْرَمُ بِجَوْنٍ، وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ الْجَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ. انتهى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لِجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «طَهُورُ كُلِّ أَدِيمٍ دِبَاغُهُ» انْتَهَى.
وَقَالَا: إسْنَادٌ حَسَنٌ، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. انتهى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا هِيَ دُبِغَتْ، تُرَابًا كَانَ أَوْ رَمَادًا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَا كَانَ بَعْدَ أَنْ يَزِيدَ صَلَاحُهُ»، انْتَهَى.
وَمَعْرُوفُ بْنُ حَسَّانَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إنَّمَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ لَحْمَهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ، وَالشَّعْرُ، وَالصُّوفُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ» انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْجَبَّارِ ضَعِيفٌ قُلْت: ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ السَّفَرِ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا بَأْسَ بِمَسْكِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ، وَلَا بَأْسَ بِصُوفِهَا وَشَعْرِهَا وَقُرُونِهَا إذَا غُسِلَ بِالْمَاءِ» انْتَهَى.
قَالَ: وَيُوسُفُ مَتْرُوكٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهِ غَيْرُه.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «{قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا، فَأَمَّا الْجِلْدُ، وَالْقَرْنُ، وَالشَّعْرُ، وَالصُّوفُ، وَالسِّنُّ، وَالْعَظْمُ، فَكُلُّهُ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَا يُذَكَّى» انْتَهَى. قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ مَتْرُوكٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: مَيْتَةٌ، قَالَ: ادْبَغُوا إهَابَهَا، فَإِنَّ دِبَاغَهَا طَهُورُه» انْتَهَى. وَقَالَ: الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا» انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهُ» انْتَهَى.
وَيَعْقُوبُ هَذَا هُوَ ابْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِيهِ مَقَالٌ: قَالَ أَحْمَدُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو زُرْعَةَ: ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا «كَانَتْ لَهَا شَاةٌ تَحْلُبُهَا فَفَقَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَعَلَتْ الشَّاةُ؟ قَالُوا: مَاتَتْ، قَالَ: أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ فَقُلْنَا: إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ دِبَاغَهَا يُحِلُّ كَمَا يُحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ» انْتَهَى.
وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْعَظْمِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَأَحْمَدُ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ الشَّامِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الْمُنَبِّهِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْتَرِ لِفَاطِمَةَ قِلَادَةً مِنْ عَصَبٍ وَسِوَارَيْنِ مِنْ عَاجٍ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: وَحُمَيْدَ، وَسُلَيْمَانُ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، وَالْعَاجُ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ، ذَاكَ مَيْتَةٌ، وَإِنَّمَا الْعَاجُ الذَّبْلُ، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَحُمَيْدَ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَقَالَ: إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ.
وَرَوَى عَنْ حُمَيْدٍ سَالِمٌ الْمُرَادِيُّ، وَصَالِحُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، وَغَيْلَانُ بْنُ جَامِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ الْمُنَبِّهِيُّ، فَيُقَالُ: إنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ» انْتَهَى.
قَالَ رِوَايَةُ بَقِيَّةَ عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ ضَعِيفَةٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْعَاجُ: الذَّبْلُ، وَهُوَ ظَهْرُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ، وَأَمَّا الْعَاجُ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ عَظْمُ أَنْيَابِ الْفِيَلَةِ، فَهُوَ مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِيهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ، عَنْ شُيُوخِهِ الْمَجْهُولِينَ: إنَّ الْوَاسِطِيَّ مَجْهُولٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، قَالَ: ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ: الْعَاجُ أَنْيَابُ الْفِيَلَةِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُ النَّابِ عَاجًا، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعَاجُ: عَظْمُ الْفِيلِ، وَالْوَاحِدَةُ عَاجَةٌ.
الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ: حَدِيثُ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ.
قُلْت: رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الذَّبَائِحِ، وَالْبَاقُونَ فِي اللِّبَاسِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ، قَالَ: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَيَقُولُ: كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إسْنَادِهِ. انتهى.
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْمِائَةِ، مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: «قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» انْتَهَى.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ»، انْتَهَى.
قَالَ: وَهَذَا رُبَّمَا أَوْهَمَ عَالِمًا، أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَسْمَعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثُمَّ يَسْمَعُهُ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، فَمَرَّةً يُخْبِرُ بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ الصَّحَابِيِّ، أَلَا يُرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ شَهِدَ سُؤَالَ جِبْرِيلَ عَنْ الْإِيمَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَرَّةً أَخْبَرَ بِمَا شَاهَدَ، وَمَرَّةً رَوَى عَنْ أَبِيهِ مَا سَمِعَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَبَرِ انْقِطَاعٌ، قَالَ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» أَيْ قَبْلَ الدِّبَاغِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجَاءَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: ثَنَا مَشْيَخَةٌ لَنَا مِنْ جُهَيْنَةَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ثِقَاتِ النَّاسِ عَنْ ابْنِ عُكَيْمٍ: أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِمْ، يُرِيدُ تَعْلِيلَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَبْلَ الدَّبْغِ بِدَلِيلِ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثَ شَاةِ مَيْمُونَةَ. انتهى.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسِيطِ وَلَفْظُهُ: قَالَ: «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِجِلْدٍ وَلَا عَصَبٍ» وَفِي سَنَدِهِ فَضَالَةُ بْنُ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَمْ يَكُنْ بِأَهْلٍ أَنْ نَكْتُبَ عَنْهُ الْعِلْمَ. انتهى.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: وَاَلَّذِي يُعَلَّلُ بِهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الِاخْتِلَافُ، فَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَوْ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ جِهَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: فَدَخَلُوا وَقَعَدْت عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجُوا إلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ، الْحَدِيثَ، قَالَ: فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّاسِ الدَّاخِلِينَ عَلَيْهِ، وَهُمْ مَجْهُولُونَ. انتهى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: إنَّمَا يُسَمَّى إهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ شَنًّا. وَقِرْبَةً. انتهى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: وَحَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ أُعِلَّ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: الِاضْطِرَابُ فِي سَنَدِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِي: الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ، فَرُوِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَرُوِيَ بِشَهْرَيْنِ، وَرُوِيَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَالثَّالِثُ: الِاخْتِلَافُ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا صُحْبَةَ لَهُ، فَهُوَ مُرْسَلٌ. انتهى.
قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: وَحَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ: أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، لَمَّا رَأَى تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ، قَالَ: وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ فِي النَّسْخِ وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الِاضْطِرَابِ، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمَاعٌ وَحَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ كِتَابٌ وَالْكِتَابُ، وَالْوِجَادَةُ، وَالْمُنَاوَلَةُ كُلُّهَا مَرْجُوحَاتٌ لِمَا فِيهَا مِنْ شَبَهِ الِانْقِطَاعِ بِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ.
وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصِّحَّةِ، وَمِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُون أَصَحَّ سَنَدًا، وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى مَنْ صِنَاعَتُهُ الْحَدِيثُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُكَيْمٍ لَا يُوَازِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جِهَاتِ التَّرْجِيحِ، فَضْلًا عَنْ جَمِيعِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَحَادِيثُ الْبَابِ:
رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ»، زَادَ التِّرْمِذِيُّ: «أَنْ تُفْتَرَشَ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ»، انْتَهَى.
وَزَمْعَةُ فِيهِ مَقَالٌ.
قَالَ: (وَشَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا طَاهِرٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: نَجِسٌ، لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ، وَلَنَا أَنْ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا، وَلِهَذَا لَا يَتَأَلَّمُ بِقَطْعِهِمَا، فَلَا يَحُلُّهُمَا الْمَوْتُ إذْ الْمَوْتُ زَوَالُ الْحَيَاةِ.
الشرح:
(حَدِيثٌ آخَرُ) فِي الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْفِنُوا الشَّعْرَ، وَالدَّمَ، وَالْأَظْفَارَ، فَإِنَّهَا مَيْتَةٌ» انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: لَهُ أَحَادِيثُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ دَفْنِ الشَّعْرِ، وَالْأَظْفَارِ مِنْ أَوْجُهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. انتهى.
(وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ طَاهِرٌ).
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَجِسٌ، لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَنَا أَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ وَالْبَيْعِ لِكَرَامَتِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.